مفهوم مكارم الأخلاق وأنواعها :
شرع الله تعالى بر الوالدين والعفة وصلة الرحم والكرم وأداء الأمانة والمروءة، وغيرها من المكارم التي يخالق الناس بها بعضهم بعضاً، فتستقيم أحوال جماعتهم وينصرفون إلى كسب معايشهم، وجعلها تكليفات تنظم عامتهم، وسوى فيها بينهم، وندبهم إلى العفة والطهارة والشجاعة والصدق والحياء والقناعة والصبر والحلم وما شاكلها من الفضائل، التي تزكو بها أنفسهم، ويبلغون الغاية من إنسانيتهم، وحذرهم من الرذائل كالكذب والعقوق والبخل والطمع ونهاهم عنها ، كما نهاهم عن الشقاق والخصام والتطاول مما لا يحمد عقباه ويفسد الخلق ، فأمرهم بالتجاوز عن الإساءة ، بل والإحسان للمسيء فعسى ذلك يبدله وبدلاً من عداوته فإنها تنقلب إلى محبة.
مكارم الأخلاق في القرآن والسنة والآثار :
ولقد حفلت الآثار الشريفة من القرآن والسنة، بالآيات والأخبار التي تحث على مكارم الأخلاق وتنهى عن سيئها : فعلى وجه الإجمال جعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) حسن الخلق طريقة وذريعة إلى الفوز بمحبته والقرب منه يوم القيامة، وما أعظمهما حيث أن ذلك مطلوبٌ لكل مسلم، يقول(صلى الله عليه وسلم): : " ألا أخبركم بأحبكم إلى الله وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً ، الموطأون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون " ، وكفى بهذا ترغيباً للمؤمنين بالأخلاق الحسنة ودعوةً إليها.
ولقد دأب(صلى الله عليه وسلم) على الحضّ على هذه المكارم، فكان يقول في آخر خطبته : " طوبى لمن طاب خلقه، وطهرت سجيته، وصحت سريرته وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله، وأنصف الناس من نفسه ".
الإسلام وبر الوالدين :
فبر الوالدين والإحسان إليهما مقرون بإفراد الله تعالى بالعبادة، وهو قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } ، وفي هذا تربية للمسلم على الرحمة والشكر، وهما خصلتان تزكيان النفس وترفعان من شأنها، هذا وقد أمر المسلم ببر والديه مؤمنين كانا أو كافرين، فلم يرخص في العقوق ولا في ترك أداء الأمانة إلى الأبرار ولا إلى الفجار.
الإسلام والصدق :
وعن الصدق قال الله تعالى: { والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون }، وأمر المسلمين بالكون مع الصادقين فقال: " وكونوا مع الصادقين ".
الإسلام والعفة :
ويا بنت العفة فعن العفة قال أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه): (ما المجاهد الشهيد بأعظم أجراً ممن قد تعفّف، ليكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة).
الإسلام والصبر :
وعن الصبر قال تعالى: { وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }. { وما يلقاها إلا الذين صبروا ، وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم }.
وقال الإمام زين العابدين: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد).
الإسلام والعفو :
وعن العفو ذكر تعالى أنه أعد الجنة للمتقين وذكر منهم العافين عن الناس فقال: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين }.
الإسلام والرحمة :
" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".
الإسلام والحياء :
وعن الحياء قال(صلى الله عليه وسلم ): " الحياء شعبة من الإيمان ".
الإسلام والحلم :
وعن الحلم قال(صلى الله عليه وسلم): " إن الله يحب الحيي الحليم العفيف المتعفف".
الإسلام والتواضع :
وعن التواضع قال(صلى الله عليه وسلم): " إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم الله ". وإن الرحم معلقة يوم القيامة بالعرش تقول اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني. وليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا.
الإسلام وخدمة الناس ونفعهم :
وقد سئل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عن خير الناس فقال: " أنفع الناس للناس " ، نعم يا سيدي يا رسول الله ، إن خير الناس هو أنفعهم للناس ، لا من يضرون الناس ، ولا من يفرقون بينهم ، ولا من يتلاعبون بعقولهم ليردوهم وليقترفوا ما هم مقترفون ليبدلوا نعمة الله كفرًا ويحلوا بقومهم دار البوار ، جهنم يصلونها وبئس القرار.
تلك كانت بعض الأخلاق الحسنة التي أمر الإسلام معتنقيه وأتباعه بالتحلي بها، ولقد حذرهم من أضدادها من الرذائل وأمرهم باجتنابها، لأن : الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
الإسلام ونهيه عن الرذائل المنهي عنها :
الإسلام والكبر :
عن الكبر يقول تعالى: { ولبئس مثوى المتكبرين }، وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ".
الإسلام والكذب :
وعن الكذب قال تعالى: { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } فالكذب هو خراب الإيمان.
الإسلام والغيبة :
وعن الغيبة قال تعالى: { ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه } ، وقال(صلى الله عليه وسلم): " الغيبة أسرع في دين الرجل المسلم من الأكلة في جوفه ".
الإسلام والنميمة :
وعن النميمة قال(صلى الله عليه وسلم): " ألا أنبئكم بشراركم؟.. المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبرآء المعايب ".
الإسلام والمراء :
وعن المراء والخصومة قال أمير المؤمنين علي( رضي الله عنه): (إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان وينبت عليهما النفاق).
الإسلام والغضب :
وعن الغضب قال(صلى الله عليه وسلم): " الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخل العسل ".
الإسلام والحسد :
وعن الحسد نزلت سورة من القرآن فيها الاستعاذة من { شر حاسد إذا حسد } وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): " الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب ".
الإسلام والعصبية :
وعن العصبية : (من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه).
الإسلام العجب بالنفس :
وعن العجب : " من دخله العجب فقد هلك ".
الإسلام والطمع :
وعن الطمع : " ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذله ".
الإسلام والبذاءة :
وعن البذاءة قال(صلى الله عليه وسلم): " إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ".
الإسلام والغدر :
وعن الغدر قال أمير المؤمنين علي(رضي الله عنه): (إن الغدر والفجور والخيانة في النار).
أهمية الأخلاق في تربية نفس المسلم :
إن الأخلاق التي ذكرنا منها أعلاه تظهر في الخارج بمظاهر أفعال الإنسان، فإذا أشربت النفس خلقاً حميداً حتى صار ملكة لها، صدر عنها عمل الخير بسهولة ويسر، ونفرت من الشر تلقائياً، أما إذا أشربت خلقاً مرذولاً أنفت فعل الخير وولعت في الشر، لا يردعها عنه تهديد ولا وعيد لأن المرء (إذا لم يعن على نفسه حتى يكون له من نفسه واعظ وزاجر لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ) أمير المؤمنين علي (رضي الله عنه).
من الناس من تهفو نفسه إلى الفضيلة وإلى الرذيلة :
هذا وإن من الناس من لم ترسخ في أنفُسهم لا الفضيلة ولا الرذيلة، وهؤلاء يكون للتهديد بالعقوبات شأن كبير في التأثير على اختيارهم لأفعالهم، فإذا أحسوا أن الرقابة عليهم شديدة والعقوبة لا ريب فيها ارتدعوا عن الشرور، وإلا أمالتهم لذة الشرور فمالوا معها مطمئنين إلى فساد الرقيب أو غفلته، وبهذا تتبين العلاقة بين الوضع الأخلاقي والوضع الاجتماعي، فكلما تحلى الفرد وبالتالي الجماعة (بمحاسن الأخلاق) كلما قلت جرائمه والعكس بالعكس.